فصل: الفصل الثالث: في تصرف الناظر في المحبس وكيفية قسمه عليهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.كتاب الحبس:

.حقيقته:

لغة: المنع. وشرعًا: إعطاء عين لمن يستوفي منافعها على التأبيد.

.حكمه:

الجواز خلافًا لأبي حنيفة.

.حكمة مشروعيته:

تكثير الأجر وعموم النفع ومراعاة مقاصد العبيد بعد الممات والتنبيه على أن أعماله محفوظة عليه.

.أركانه:

أربعة: الصيغة، والمحبِس، والمحبَس، والمحبس عليه.

.الأول: الصيغة:

وهي لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على تمليك العين على التأبيد، وعلى منع التصرف في العين المحبسة بالبيع ونحوه، ويقوم مقام الصيغة ما دل عرفًا على ذلك كالإذن المطلق في الانتفاع كما لو بنى مسجدًا وأذن للناس أن يصلوا فيه، ثم الصيغة إن صدرت مطلقة حكمها اللزوم، وإن صدرت مقيدة بخيار فكذلك، وشرط الخيار باطل، وإن تقيدت بشرط اختلف بحسب ذلك الشرط.
والشروط ثلاثة: جائز، وممنوع، ومكروه.

.الأول: الجائز:

وله صور، منها أن يحبس على ولده على أنهم إن احتاجوا أو اجتمع أكثرهم على البيع باعوا وقسموا الثمن على السواء أو للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن هلكوا ولم يبق منهم إلا واحد فله البيع، قاله مالك، ثم حيث قلنا: لهم البيع إن احتاجوا، فلابد من إثبات الحاجة، ويحلف أن لا مال له ظاهرًا ولا باطنًا إلا أن يقول المحبس وهو مصدق، ومنها أن يحبس داره على عقبه، ويشترط أنها لآخرهم بتلا، فإن كان آخر العقب امرأة باعت إن شاءت وإن كان رجلاً يرجى له العقب لم يبع، فإن مات ولم يعقب ورثها عنه ورثته. ومنها أن يحبس داره ويستثنى منها بيتًا يسكنه حياته، ثم يلحقه بالحبس بعد موته، وذلك جائز إذا كانت قيمته مثل ثلث جميع الدار أو أقل.

.الثاني: الممنوع:

وهو ما آل للكراء المجهول، وهو أن يحبس دارًا على رجل على أن عليه بناء ما رث منها من ماله، فإن وقع مضى وسقط الشرط وبنيت من غلتها.

.الثالث: المكروه:

وهو إخراج البنات من الحبس.
قال مالك: وذلك من فعل الجاهلية، وما أريد به وجه الله تعالى لا يكون كذلك.
قال عنه ابن القاسم: إذا حبس على ولده وأخرج البنات عنه إن تزوجن، الشأن أن يبطل، وروى ابن القاسم أنه يمضي إذا مات على ما شرط، وإن كان حيًا ولم يجز عنه فليرده، وإن حيز مضى على ما شرط.

.الثاني: المحبس:

شرطه الإسلام والطوع والرشد، فلا ينفذ من الذمي.
قال مالك في نصرانية بعثت دينارًا إلى الكعبة: يرد إليها.
وقال ابن القاسم في ذمي حبس دارًا على مسجد: أنه لا ينفذ، ولا ينفذه من المكره ولا من المحجور.

.الثالث: المحبَس:

ولا خفاء بجواز تحبيس العقار، وفي جواز تحبيس الحيوان روايتان الجواز قوله في المدونة.
قال بعضهم: الخلاف إنما هو في غير الخيل، أما الخيل فلا خلاف في جواز تحبيسها، ثم إن قلنا بجواز تحبيس الحيوان، فنقول باللزوم، وإن قلنا بالكراهة ففي اللزوم روايتان.

.الرابع: المحبس عليه:

كل من يصح أن يملك أو يملك الناس الانتفاع به كالحبس على المساجد.
قال القاضي أبو الوليد: والأظهر عندي جواز الوقف على الذمي دون الكنيسية.
قال: ويجوز على الجنين وعلى من سيولد.
قال: وزعم بعض الناس أن الوقف على الحمل غير جائز. المحبس عليه إن كان معينًا وهو أهل للولد والقبول فلابد من قبوله، واختلف في قبوله هل هو شرط في اختصاصه به أو هو في أصل الوقفية ففي الموازية فيمن قال: أعطوا فرسي فلانًا فلم يقبله إن كان حبسًا أعطى لغيره.
وقال مطرف فيمن حبس حجرًا فلم يقبلها المحبس عليه لأجل نفقتها رجعت ميراثًا وإن كان غير معين لم يفتقر إلى القبول.

.اللواحق:

وينحصر الكلام فيها في أربعة فصول:

.الأول: في الحيازة:

وهي شرط في تمام الحبس لا في انعقاده كالهبات والصدقات والعمرى، وسيأتي الكلام عليها في الهبات والصدقات إن شاء الله تعالى.

.الثاني: في بيان مدلولات ألفاظ المحبس عليهم وألفاظ المحبس:

أما ألفاظ المحبس عليهم: فكلفظ الولد، والعقب، والابن، والذرية، والنسل، والآل، والقرابة، والموالي، والقوم، والإخوة، والعصبة، والأعمام، وبني الأب، وأطفال أهلي، وما في معناهم من صبيانهم، وصغارهم، وشبانهم، وأحداثهم، وكهولهم، وشيوخهم، والأرامل، والسبيل.
فلفظ الولد: يتناول ولد الصلب وأولاد ذكورهم دون ولد البنات على المشهور.
ولفظ العقب: كلفظ الولد، ولفظ الابن مثلهما.
ولفظ الذرية: يدخل فيه ولد البنات.
قال ابن العطار: لا خلاف في ذلك، وقيل: لا يدخلون.
ولفظ النسل: في دخول ولد البنات فيه القولان.
ولفظ الآل: قال ابن القاسم: آله وأهله سواء، وهم العصبة، والأخوات، والبنات، والعمات دون الخالات، وهذا هو المشهور.
وقال التونسي: يدخل كل من كان من جهة أحد الأبوين وإن بعد.
ولفظ القرابة: قال مالك في الموازية فيمن أوصى بمال لأقاربه: أنه يقسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد.
قال في العتبية: ولا يدخل في ذلك ولد البنات، وولد الخالات. وروى عنه ابن زياد أن أقاربه من قبل أبيه وأمه يدخلون.
وقال أشهب: كل ذي محرم من قبل الرجال والنساء محرم أو غير محرم قرابة.
ولفظ الموالي: يشمل الذكور والإناث.
قال مالك: ويدخل معهم موالي أبيه، وموالي أمه، وموالي الموالي.
قال عنه ابن وهب: وأبناء الموالي يدخلون مع آبائهم.
وقال ابن القاسم في العتبية: لا يكون الحبس إلا لمواليه الذين أعتق وأولادهم يدخلون مع آبائهم إلا أن يخصهم بالتسمية.
ولفظ القوم: يتناول الرجال من العصبة دون النساء، قاله التونسي.
ولفظ إخوته: يتناول الذكور والإناث من أي جهة كانوا.
ولفظ العصبة: قال التونسي: لا يدخل في ذلك أحد من جهة الأم يدخل من كان بسبب الأب وإن بعد.
ولفظ الأعمام: لا يتناول أولادهم كما لا يدخل في ولد ظهري ولد الولد.
ولفظ بني الأب: قال التونسي: يتناول إخوته من أبيه وأمه وإخوته لأبيه ومن كان ذكرًا من أولادهم خاصة مع ذكور ولده.
ولفظ أطفال أهلي: يتناول من لم يبلغ الحلم والمحيض منهم. وكذلك لفظ صبيانهم وصغارهم.
ولفظ شبان أهلي وإخوانهم: يتناول من بلغ إلى أن يبلغ الأربعين.
ولفظ الكهول: يتناول من زاد على الأربعين إلى أن يبلغ الستين من الذكور والإناث.
ولفظ الشيوخ: يتناول من جاوز الستين من الذكور والإناث.
ولفظ الأرامل: قال التونسي: يتناول الرجل الأرمل والمرأة الأرمل، ويدل عليه قول الحطيئة:
هاذي الأرامل قد قضيت حاجتها ** فمن لحاظة هذا الأرمل الذكر

ولفظ السبيل: يتناول الجهاد وغيره، وأما الألفاظ الراقعة في الحبس، فهي ثلاثة: لفظ حبس، ووقف، وصدقة، وهي بمعنى واحد، وإن كانت أحكامها تختلف في بعض الصور.
فلفظ حبس: إذا وقع مبهمًا كقوله: داري حبس، فلا خلاف أنها وقف مؤبد وتصرف في الفقراء والمساكين، فإن كان في الموضع عرف توضع فيه الأحباس صرفت فيه عند مالك. وعن ربيعة يسكنها قرابة المحبس، فإن عين شخص فقال: حبسًا على فلان أو على أولاد فلان، وسماهم وعينهم، فقال مالك: إن مات فلان رجع على أقرب الناس بالمحبس على سنة مراجع الأحباس، وإن لم تكن له قرابة رجع إلى الفقراء والمساكين ولا يرجع ملكًا.
وقال أيضًا: يرجع بعد وفاة المحبس عليه ملكًا للمحبس أو لورثته كالعمري ولو جعله في وجه معين محصور، ففي المذهب قولان: أحدهما: أنه يرجع بعد انقراض الوجه الذي جعله فيه ملكًا له في حياته لورثته بعد وفاته، والآخر أنه يبقى حبسًا على أقرب الناس بالمحبس إن جعله في وجه معين غير محصور، كقوله: في السبيل، أو في وقود مسجد كذا، فحكمه حكم الحبس المبهم، وإن جعله في وجه محصور غير معين يتوقع انقراضه كقوله: على بني زيد، فحكمه أيضًا حكم المبهم، وإن جعله على غير معين محصور كقوله: على أولادي وبعدهم على المساكين، ولم يترك ولدًا أو يئس منه، فعند ابن القاسم يرجع ملكًا، وعند عبد الملك ينفذ حبسًا على المساكين.
وأما لفظ وقف: فقال القاضي عياض: الذي حكاه شيوخنا البغداديون أنه ينفذ حبسًا كان على معين أو مجهول، محصورًا أو غير محصور، وأنه لا يختلف في ذلك، وحكى غيرهم أنه لا فرق بين حبس ووقف، وأنه يدخله من الاختلاف في بعض الوجوه ما دخل لفظ حبس.
وأما لفظ صدقة: فإن عينها لشخص معين فهي له ملك، وكذلك المجهول غير المحصور كالمساكين، فيقسم عليهم، فإن كنت لا تنقسم يبعث وقسم ثمنها أو أنفقت فيما يحتاج إليه ذلك الوجه المجهول، ثم للناظر تعيين ذلك الوجه المجهول بالاجتهاد في موضع الحكم ووقته، إذ لا يلزم التعميم وإن جعلها على مجهولين محصورين يتوقع انقراضهم كقوله: على فلان وولده، فثلاثة في المدونة: هو حبس يريد يرجع بعد انقراضهم مرجع الأحباس.
قال ما عاشوا أو لم يقل، وروى أشهب أنها ملك لآخر المحبس عليهم، وقيل: حكمها حكم العمرى ترجع للمحبس ملكًا.
تنبيه:
جميع ما يرجع ميراثًا فهو لأقرب الناس بالمحبس يوم موته، وكل ما يرجع حبسًا فهو لأولاهم به يوم المرجع من ولد أو عصبة، قيل لمحمد: من هو الأقرب إلى المحبس الذي يرجع الحبس إليهم، قال: قال مالك: هم العصبة، ومن النساء من لو كانت رجلاً كانت عصبة.

.الفصل الثالث: في تصرف الناظر في المحبس وكيفية قسمه عليهم:

والمتولي للنظر في الحبس من جعله المحبس بيده، فإن أغفل ذلك المحبس قدم القاضي ويبدأ الناظر بإصلاح ما يحتاج إليه الحبس من غلته، ثم يقسم ما بقي، ولو شرط أن يبدأ بالقسمة بطل شرطه، فإن كانت دارًا للسكنى قيل للساكن: إما أصلحت وإلا فاخرج تكري بما تصلح به والفرس المحبس على معين نفقته عليه إن أبى ردها إن كانت على غير معينين فنفقته في بيت المال، فإن تعذر بيع واشترى بثمنه ما لا يحتاج إلى نفقة كالسلاح، ومنع ابن الماجشون البيع ورآه كالمساجد لا يوجد من ينفق عليها تبقى حتى تهلك والعبيد تحبس في السبيل، أو كانت لهم صنعة تراد للسبيل فكالخيل، وإن كان المراد منهم الغلة أنفق عليهم منها، واختلف في نفقة المخدم هل تكون على سيده أو على المخدم على قولين، ولو كان يخدمه نهارًا ويأوي إلى سيده بالليل فنفقته على سيده. وإذا حصل الربع بيد الناظر وقسمه فليفضل أهل الحاجة؛ لأن النفقة والسكنى ليست على الرءوس، وإنما يؤثر أهل الحاجة وكثرة العيال وأعظمهم فيما حقا أشهدهم فاقة فما فضل بعد دفع حاجتهم رده على الأغنياء ويسكن كل واحد على قدر حاجته، وليس الأعزب كالمتأهل والحاضر في السكنى أولى من الغائب وهما في الغلة سواء، بل الغائب الفقير أولى من الحاضر الغني، ذلك على قدر الاجتهاد، ولا يخرج أحد من مسكنه وإن كان ثم أحوج منه.
قال في المدونة: ومن حبس دارًا على ولده فسكنها بعضهم ولم يجد بعضهم فيها مسكنًا لم يخرج له، وليس عليه كراء في حق من لم يسكن.
قال: ومن غاب مريدًا الإقامة استحق الحاضر مكانه، وإن سافر ليرجع فهو على حقه.
قال في الموازية: وذلك إذا لم تكن سعة، وسكن من هو أولى منه.
قال فيها أيضًا: إن حبس على ولده أو ولد فلان أو آله أو آل فلان.
قال ابن القاسم: فأما على قوم مسمين بأعيانهم ليس على التعقيب، فإن جزء المسافر منهم ثابت في السكنى.
قال محمد: وغنيهم وفقيرهم سواء، وله أن يكري منابه وإن لم يكره وسكنه غيره أحوج منه إذا قدم. ابن شاس. ما حبس على قوم بأعيانهم من دار أو زرع أو نخل فهم فيه بالسواء الذكر والأنثى والغني والفقير، وإذا علم مقصد المحبس في الصرف لم يتعد.

.الفصل الرابع: في بيع الحبس وأنقاضه وقسمته والتعدي عليه وما يفضل من أحباس المساجد:

وإذا كان الحبس باقيًا على حاله لم يجز بيعه، وفي بيعه ليزاد في المحاج العظام التي هي ممر الجيوش وليوسع به مساجد للجماعات التي تضيق بأهلها وليوسع بها المقابر، ففي المتيطية الجواز في جميع ذلك، وقاله ابن الماجشون، وقيل: لا يجوز ذلك إلا في مسجد الرسول عليه السلام.
وقال ابن زرب: لا يجوز ذلك إلا في المسجد وقال أبو عمران: إذا ضاق الجامع وحوله حبس للمساكين فلا يباع ليوسع به، ولكن يكرى بمال الجامع، فيكون النفع للجامع والملك لغيره، وإن كان قد تغير وانقطعت منفعته، فأما الدواب، فقال مالك: تباع ويجعل ثمنها في غيره أو يعان بثمنه في مثله.
وقال في الثياب تباع ويشترى بها ثياب: فإن لم يكن في الثمن ما يشترى به فرق في السبيل.
وقال أيضًا: لا يباع ما حبس من عمد أو ثوب، وأما الرباع إذا خربت فالمشهور فيها المنع، وروى أبو الفرج الجواز. ابن الماجشون. ولا يباع زيت المسجد وإن كثر ليبتاع به حصير وغيرها. ابن عبد الغفور. ولا يجوز بيع قاعة المسجد الخرب، ولا بأس ببيع نقضه إذا خيف عليها الفساد للضرورة ويوقف ثمنها إن رجيت عمارته وإلا أعين به في غيره، أو تصرف النقض نفسها في غيره، وإذا أراد المحبس عليهم قسمة الوقف لم يكن لهم ذلك، وإن أرادوا قسمة الاغتلال ففي الجواز والكراهة قولان، وبالجواز جرى العمل، أما في الإشاعة من التعطيل والضرر ومن تعدى على حبس بقطع نخل أو هدم جدر غرم قيمة ما أفسد، ثم إن كان الحبس في السبيل أو في الفقراء جعلت تلك القيمة في مثل أفسد، وعلى قول أشهب تصرف فيما هو أفضل، وإن كان على معين ففي سقوط حقه في الهالك أو يعود عنه في تلك القيمة خلاف.
قال محمد فيمن أوص له بغلة دار أو بسكناها فهدمها رجل في حياة الموصى وهي تخرج من الثلث: أن الهادم يغرم ما بين القيمتين، فيورث عنه وتبقى العرصة للموصى له، ولو هدمها بعد موته بنيت بتلك القيمة، وكانت للموصى له، وكذلك إن كانت حائطًا فقطع نخله أو شجره، وفي كتاب الجنايات فيمن أوصى له بعبد فقتل لا شيء له من قيمته، وعلى قول محمد هذا يشترى له بتلك القيمة مثله، واختلف في الفاضل من غلة أحباس المساجد، فقال بعض أهل الشورى بقرطبة: تصرف في بقية سائر المساجد التي لا غلات لها بعد أن يعلم أنها لا تحتاج إلى ذلك، وقال غيره: قول ابن القاسم أنها لا تصرف لها، وإنما يشترى بها أصول فتوقف عليها ويوسع من ذلك إليها في جميع ما يحتاج إليها في وقودها وحصرها وجميع آلاتها وقومتها وغير ذلك من ضروريتها، وعليه أكثر الرواة.
وقال ابن الماجشون في العتبية: الأحباس كلها إذا كانت لله انتفع ببعضها في بعض.

.كتاب الهبات والصدقات:

حقيقتهما: معلومة، وهما نوعان تحت جنس العطية.

.حكمهما:

الندب.

.حكمة مشروعيتهما:

تزكية النفس وتطهيرها من داء البخل.

.الأركان:

أربعة: الصيغة، والواهب، والموهوب، والموهوب له.

.الأول: الصيغة:

لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على تمليك العين بغير عوض، نحو: وهبت، وتصدقت، فإن أراد بالهبة الثواب سميت هبة ثواب، وهي في الحقيقة بيع، ثم الهبة والصدقة يشترط في تمامهما القبض لا في زومهما على المشهور.

.الثاني: الواهب أو المتصدق:

يشترط فيه أهلية التبرع، فلا ينفذ في المحجور عليه لنفسه كالصبي، وقد قالوا في صبية تصدقت على أبيها وأمها بصدقة، ثم قالت بعد أن تزوجت بأعوام: لم أكن أعلم بأن ذلك يلزمني، أنها تحلف ويكون ذلك لها، والمحجور عليه لحق غيره كالعبد والمريض والزوجة تقف هبته على رضاء من حجر عليه بسببه فيجيز أو يرد والحجر على المريض والزوجة فيما زاد على الثلث، فإن كان الزوج عبدًا، فقال ابن وهب: لا حجر عليها ولها أن تتصدق بجميع مالها.
وقال أصبغ: هو كالحر. ورواه ابن نافع.

.الثالث: الموهوب والمتصدق به:

وهو كل متمول، وإن كان مجهولاً أو عبدًا آبقًا أو مشاعًا.

.الرابع: الموهوب له:

كل من يصح أن يملك فتصح للموجود والمعدوم والحر والعبد، ويجوز للرجل أن يتصدق على عبده ومدبره ومكاتبه وأم ولده.
قال في المتيطية: يجوز أن يتصدق على أم ولده في صحته. وروى ابن وهب في المبسوط أن مالكًا قال: ذلك جائز إلا أن يرى أن ذلك على وجه التوليج أو السرف فلا يجوز.

.اللواحق:

ويتم الغرض منها بذكر أربعة فصول:

.الأول: في الحيازة:

وكل عطية يفتقر تمامها إلى الحيازة إلا النحلة المقارنة لعقد النكاح على المشهور، واختلف أيضًا في الزيادة في ثمن السلعة وفي الزيادة في الصداق، ويتعلق النظر بالحائز وكيفية الحيازة، وما تثبت به ومما يبطلها، أما الحائز فهو الموهوب له والمتصدق عليه، والمحبس عليه إن كان رشيدًا أو وكيله، فإن كان المحبس عليه غير معين كالمساجد لم يفتقر إلى حيازة، بل إذا أخلى المحبس بينهما وبين الناس صح، ولو قدم المحبس من يجوز للرشيد ويجري الغلاة عليه جاز بخلاف الهبة والصدقة، إلا أن يكون حينئذ غائبًا والمولى عليه يجوز له ولوليه، فإن تصدق عليه أحد الوصيين حازها له الوصي الآخر، وقيل: ويجوز أن يحوزها هو له كالأب ولو تصدقت على الصغير أمه وجعلت له ذلك على غير يد الأب جاز، ولم يجز للأب أخذه، وكذلك غير الأم، ولا تحوزه هي لولدها إلا أن تكون وصيا، وقيل: يصح ولو تصدق على ولده الكبير والصغير قبض الكبير سهمه وسهم أخيه بتوكيل الأب، فإن لم يقبض الكبير حتى مات الأب، فروى ابن القاسم أن الصدقة ترجع ميراثًا، وكذلك الحبس، وروى ابن نافع أن نصيب الصغير يصح ويبطل ما سواه، ولو كان حبسًا بطل الجميع؛ لأنه لا يملك ولا يقسم، والصدقة تملك وتقسم، وقد حازها للصغير من تجوز حيازته، ولو حبس على ولده وعلى عقبه فحيازته للولد حيازة للعقب، ولو جعل المرجع لأجنبي لم تكن حيازته له ولا حيازة الولد حيازة للأجنبي.
تنبيه:
لا يشترط علم الواهب بالحيازة؛ لأنه يجبر عليها، وفي رضاء الموهوب له قولان.
وقال مطرف فيمن تصدق على ابنته بمسكن فخزن زوجها فيه طعامًا ثم مات الأب: أن ذلك حيازة للابنة.
وقال أصبغ: لابد من توكيلها، ورواه عن ابن القاسم.
وأما كيفية الحيازة: فأما الأراضي فما كان منها لا عمل فيه فيكفي فيه الإشهاد، وما كان للزراعة وكانت الهبة في غير إبانها فيكفي الإشهاد بالتسليم وتحديدها في كتاب الهبة، قاله مطرف.
وقال اللخمي: قول الموهوب له: قبلت كاف، وإن كانت في الإبان.
فقال ابن القاسم: إن لم يحرثها بطلت.
وقال ابن العطار: جرت الفتيا أن التطوف على الأرض بمحضر البينة حيازة، وتخلى المحبس عنها إلى المحبس عليه بمحضر البينة بالكلام حيازة تامة، وإن لم تعاين عمله ولا نزوله فيها والدور وشبهها مما عليه غلق فيكفي فيها معاينة الإغلاق ولا يضره ترك السكنى فيه والعمارة، ويكفى دفع مفاتحها إليه وتخليه عنها، إلا أن تكون الدار لسكنى الواهب، فلابد من معاينة الإخلاء، ولو كانت الهبة لولده والإشهاد له بغيره كلف والكيفية فيما عدا ذلك كالقبض في البيع، وقد سبق تقريره في كتاب الرهن.
تنبيه:
إذا كان الموهوب ببلد آخر مثل أن يتصدق على ابنه الحاضر بدار ببلد آخر فلم يقبضها حتى مات الأب، فقال ابن القاسم: إن كان الابن صغيرًا نفذت له، وإن كان كبيرًا بطلت، وإن لم يفرط.
وقال أشهب: إذا لم يفرط في الخروج ولعله تهيأ للخروج، أو وكل نفذت، وإن وكل بطلت. رواه ابن القاسم أيضًا.
قال ابن القاسم: وهو على التفريط حتى يثبت الاجتهاد، وإن كان الموهوب له هو الغائب مثل أن يشتري الحاج لأهله أو لابنته هدايا ويحملها معه أو يبعث بها إليهم، فيموت الباعث أو المبعوث له قبل وصولها إليهم، فإن أشهد بذلك فهي للمبعوث له، وإن لم يشهد فقال في المدونة: من مات منهما فهي لورثة المعطي ولا حق للمبعوث له؛ لأن عدم القبول يفسد الهبة، وفي الواضحة: إن مات المعطي بطلت ورجعت إلى ورثته، وإن مات المبعوث له رجعت لورثته وصفة الإشهاد القائم مقام الحيازة في ذلك أن يقول: أشهدوا عليَّ.
قال أشهب: ولا يكفي أن يقول ذلك للعدول حتى يشهدهم وحيازة المغصوب فيه قولان.
قال أشهب: قبض الغاصب حيازة.
وقال ابن القاسم: ليس بحيازة.
قال أشهب: ويكفي في حيازة المستأجر والمرهون الإشهاد والقبول، وفي المنتقى قول الموهوب له قبلت حيازة يريد في العارية والوديعة والإجارة يريد إذا كانت بيد الموهوب له، وإن كانت بغير ذلك البلد، وأما إن كانت بيد غيره فأحرى هذه الثلاث، فقال أشهب: ذلك نافذ إذا أشهد.
وقال ابن القاسم: لا تكون حيازة المرتهن والمستأجر حيازة إلا أن يشترط أن الإجارة له مع الرقبة وحيازة المستعير والمخدم حيازة للموهوب له.
قال التونسي: رأى ابن القاسم أن قبضهما حيازة، ولم يشترط علمهما بذلك كما شرط في المودع لأنهما حازا الرقاب لأنفسهما وحيازة الابن بالطلب.
قال ابن الماجشون: إذا طلبه الموهوب له فلم يجده إلا بعد موت الواهب فهو له.
وأما ما تثبت به الحيازة، فتثبت بشاهدين وبالشاهد واليمين.
وأما ما يبطلها فثلاثة:
الأول: تراخي القبض إلى المرض أو الفلس، إلا أن يكون رشده حينئذ فقبضه في مرض موته فلا يبطل، فإن منعه مانع من الحيازة، فإن كان مساويًا مثل أن يموت الواهب أثر الإيجاب والقبول، فقال مالك مرة: إذا لم يفرط في القبض فهي له من رأس المال.
وقال مرة: تسقط، وإن كان من أجنبي كقيام المديان وكان دينه سابقًا فواضح، وإن كان لاحقًا وبعد أن حيزت الهبة فهي نافذة، وإن كان متوسطًا ففي المنتقى إن استدان بعد العطية وقبل الحيازة، فقال مطرف وابن الماجشون: الدين أولى.
وقال أصبغ: الصدقة أولى، وإن وقع شك في المتقدم، فإن كانت على كبير وقد حازها أو على صغير وكان الأب قد قدم من يحوزها له فحازها فهو أولى، وإن بقيت بيد الأب فالدين أولى ولا حجة له بحيازة الأب، قاله في المدونة.
وقال أصبغ وسحنون: على الغريم أن دينه متقدم لأن حوز الأب للصغير حوز، وقاله مطرف وابن الماجشون.
تنبيه:
إنما يكون تقدم الدين مبطلاً إذا لم يكن له مال إلا ذلك، فأما إن كان له مال حينئذ فلا سبيل إلى النقض، وعلى الغريم البينة أنه حين حبس أو تصدق ولا وفاء عنده فيما يرون، فإن أثبتوا ذلك نقض، وإن كان من الواهب فله صورتان:
الأولى: أن ينكر الواهب الهبة ويقوم للموهوب له شهيدان، فمات الواهب وهو ساع في تزكيتهما غير متهاون، فقال ابن القاسم ومطرف وأصبغ: الهبة صحيحة، وذلك حوز.
وقال ابن الماجشون: ليس ذلك بحوز، وقد بطلت.
الثانية: أن يعقد فيها عقدًا يمنعه من القبض كالبيع والعتق والهبة والرهن، فأما البيع، فقال في المدونة: إن علم المتصدق عليه بالصدقة فلم يقبضها حتى باعها فالبيع نافذ والثمن للمتصدق، وإن لم يعلم فالبيع مردود ما دام المتصدق حيًا، فإن مات قبل أن يعلم فالبيع ماض ولا شيء له، وأما العتق وفي معناه الاستيلاد، وقال ابن القاسم: هو أولى.
وقال ابن وهب: الموهوب له أولى ويرد العتق وله القيمة في الأمة إذا حملت. وأما الهبة، فقال ابن القاسم: هي للأول وإن حازها الثاني.
وقال ابن المواز: الحائز أولى. وأما الرهن، فقال ابن القاسم فيمن حبس على ابنه شيئًا ثم رهنه فمات: صح الحبس وبطل الرهن.
الثاني: تعمير الأب ما حبسه على بنيه الصغار لنفسه وإدخال غلته في مصالحه إلى أن مات، وذلك يبطل الحبس على القول المشهور المعمول به، حكاه في المتيطية.
الثالث: رجوع الحبس أو الهبة أو الصدقة إلى يد ربها، وذلك مبطل إذا لم يحز عنه حتى مات، وهذا إذا رجعت الدار المحبسة إليه على وجه السكنى، وأما لو خاف الواهب واختفى فيها عند الموهوب له أو يضيفه فيها فيمرض فيها فيموت لم تبطل الحيازة، قاله ابن المواز. زاد ابن الماجشون ومطرف: ولو كان ذلك بعد يوم من الحيازة.